تحدثنا في المقال السابق عن ماهية الطلاق وحكمه وأركانه وأقسامه، وفي هذا المقال نستكمل الحديث حول عدة الزوجة وحكمها وحكمتها وأنواعها إضافة إلى بعض المسائل التي قد تشتبه بالطلاق ونقول:
العدة: مأخوذ لغويا من العدد والإحصاء، وشرعا: اسم لمدة تتربص بها المرأة المفارقة لزوجها، أو
المتوفى عنها زوجها فلا تتزوج فيها ولا تتعرض للزواج. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ...} (الطلاق: من الآية 1)
حكمها: العدة واجبة على كل مفارقة لزوجها بحياة أو وفاة.
حكمتها: من الحكمة في مشروعية العدة ما يلي:
- إعطاء الزوج فرصة الرجوع إلى مطلقته بدون كلفة إذا كان الطلاق رجعيا.
- معرفة براءة الرحم محافظة على الأنساب من الاختلاط.
- مشاركة الزوجة في مواساة أهل الزوج، والوفاء للزوج، إن كانت العدة عدة وفاة.
أنواعها:
عدة المتوفى عنها زوجها:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا... } (البقرة: من الآية 234)
هذا أمر من الله تعالي بعدة المتوفى عنها زوجها أن تعتد "أربعة أشهر وعشر ليال"، وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع، ومستنده عموم الآية.
عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل:
المرأة التي يتوفي عنها زوجها وهي حامل عدتها بوضع الحمل، ولو لم تمكث بعده إلا أيام أو لحظات لعموم قوله تعالي: {... وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ... } (الطلاق: من الآية 4)
عن المسور بن مخرمة: أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت النبي صلي الله عليه وسلم استأذنته أن تنكح، فأذن لها، فنكحت. (متفق عليه).
عدة المرأة التي تحيض:
يقول تعالي في شأنها: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ...) (البقرة: من الآية 228).
وعليه إذا كانت المطلقة من ذوات الحيض فعدتها ثلاث حيضات والبعض قال ثلاثة أطهار.
والقرء: هو الحيضة، لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها: إن "أم حبيبة كانت تُستحاض فسألت النبي صلي الله عليه وسلم فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها". (صحيح).
- عدة الصغيرة التي لا تحيض، أو الكبيرة التي يئست من الحيض، أي انقطع عنها الحيض نهائيا:
يقول تعالي في شأنهما: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ...} (الطلاق: من الآية 4).
وعليه فإن عدة كلا منهما ثلاثة أشهر، وقوله تعالي إن ارتبتم) فيه قولان:
الأول: قول طائفة من السلف كمجاهد والزهري، أي إن رأين دما وشككتم في كونه حيضا أو استحاضة وارتبتم فيه. (تحفة الأحوذي).
الثاني: إن ارتبتم في حكم عدتهن ولم تعرفوه فهو ثلاثة أشهر وهو قول مروي عن سعيد بن جبير.
- عدة المطلقة قبل الدخول بها:
يقول تعالي في شأنها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (الأحزاب: الآية 49).
إن هذه الآية الكريمة لا يوجد في غيرها إباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها، وأنه ليس لها عدة، وهو أمر مُجمع عليه بين العلماء، فتتزوج من فورها لو أرادت، إلا المتوفى عنها زوجها كما ذكرنا.
- عدة من غاب عنها زوجها:
إذا غاب عن المرأة زوجها ولم يُعرف مصيره من حياة أو موت فإنها تنتظر أربع سنوات من يوم انقطاع خبره، ثم تعتد عدة وفاة: أربعة أشهر وعشرا. والحكم هنا يكون عادة للقاضي.
- عدة المستحاضة:
إن المستحاضة هي التي لا يفارقها الدم، فإن كان دمها يتميز عن دم الاستحاضة، أو كانت لها عادة تعرفها، فإنها تعتد بالإقراء، أما إن كان دمها غير مميز ولا عادة لها اعتدت بالأشهر، ثلاثة أشهر كمن
يئست من الحيض والصغيرة التي لا تحيض، وهذا الحكم قياسا على حكمها في الصلاة.
تداخل العدد:
قد تتداخل العدد، وذلك على النحو التالي:
- مطلقة طلاقا رجعيا مات مطلقها أثناء عدتها فإنها تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة فتعتد أربعة أشهر وعشرا من يوم وفاة مطلقها؛ لأن الرجعية لها حكم الزوجة بخلاف البائن فلا تنتقل عدتها، فالرجعية وارثة والبائن لا إرث لها.
- مطلقة اعتدت بالحيض فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم يئست من الحيض فإنها تنتقل إلى الاعتداد بالأشهر فتعتد ثلاثة أشهر.
- مطلقة صغيرة لم تحض بعد، أو كبيرة يئست من الحيض اعتدت بالأشهر فلما مضى شهر أو شهران من عدتها رأت الدم، فإنها تنتقل من الاعتداد بالأشهر إلى الاعتداد بالحيض، هذا إذا فيما لم تتم العدة، أما إذا تمت العدة ثم جاءها الحيض فلا عبرة به، إذ عدتها قد انتهت.
- مطلقة شرعت في العدة بالأشهر أو الإقراء وأثناء ذلك ظهر حملها، فإنها تنتقل إلى الاعتداد بوضع الحمل.
ما يجب علي المعتدة من طلاق رجعي:
يقول تعالي في شأنها: {...لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ...} (الطلاق: من الآية 1).
وعليه يجب على المعتدة من طلاق رجعي أن تلتزم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها، ولا يحل لها أن تخرج منه ولا يخرجها زوجها إلا أن ترتكب فاحشة مبينة فتخرج من المنزل.
وحول ماهية الفاحشة قال ابن مسعود، وابن عباس وغيرهما أنها تشمل: الزنا أو نشوز المرأة أو إذا بَذَئت علي أهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال. (رواه الطبري).
وحول الحكمة من بقاء المطلقة في بيت الزوجية يقول تعالى: {... لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (الطلاق: من الآية 1)؛ أي إنما أبقينا المطلقة في بيت الزوج في مدة العدة، لعل الزوج يندم علي طلاقها وهى أمامه ويجعل الله المحبة تعود لقلبه بفضل الله فيرق قلبه لها، قال بن عباس: يريد الندم على طلاقها، والمحبة لرجعتها في العدة. (تفسير ابن كثير).
قالت فاطمة بنت قيس في قوله تعالي {...لَا تَدْرِي لَعَلَّ...) هي: الرجعة. (رواه الطبري).
ما يجب علي المعتدة من طلاق بائن بينونة كبري:
إن المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبري (أي المطلقة ثلاثا) لا سكني لها ولا نفقة لحديث فاطمة بنت قيس عن النبي صلي الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا: (ليس لها سكني ولا نفقة). (صحيح).
ما يجب علي المعتدة لوفاة زوجها:
يجب على المعتدة لوفاة زوجها ألا تخرج من بيتها، وإن خرجت لحاجة لازمه ألا تبيت إلا في بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي به لقوله صلى الله عليه وسلم لمن سألته أن تتحول إلى بيت أهلها بعد وفاة زوجها: (امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعى زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله) قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. رواه الترمذي وصححه.
بعض المسائل قد تشتبه بالطلاق:
الخُلع:
عرفه الفقهاء الخُلع بأنه فراق الرجل لزوجته ببدل يأخذه منها، أي نظير عوض يتراضيا عليه، ويُعرف بالفدية أو افتداء.
وبخصوص مشروعية الخلع نقول: إذا اشتد الخلاف بين الزوجين، ورغبت المرأة في الفراق جاز لها أن تفدى نفسها من زوجها بمال تعويضا له، أو إذا رفض طلاقها. يقول تعالى: {... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ...} (البقرة: من الآية 229).
ومن الدلائل التي وردت في السنة حول مشروعية الخلع: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنى أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: {أتردين عليه حديقته؟} قالت: نعم، قال رسول الله: (أقبل الحديقة وطلقها تطليقه). رواه البخاري والنسائي.
ويعد الخُلع فسخا وليس طلاقا؛ أي إذا افتدت المرأة نفسها وفارقها زوجها كانت أملك لنفسها، ولا حق له في مراجعتها إلا برضاها، ولا يعتبر هذا الفراق طلاقا، ويجب عليه بعدها تطليقها، وإلا ما قال صلي الله عليه وسلم لثابت: (وطلقها تطليقه) فهو في حد ذاته ليس بطلاق.
وللخلع شروط منها ما يلي:
1- أن يكون البغض من الزوجة، فإن كان الزوج هو الكاره لها فليس له أن يأخذ منها فدية،
فإما أن يصبر عليها، أو يطلقها إن خاف الضرر.
2- ألا تطالب الزوجة بالخلع حتى تبلغ درجة من الضرر، تخاف معها ألا تقيم حدود الله في نفسها أو في حقوق زوجها.
3- ألا يتعمد الزوج أذية الزوجة حتى تخالع منه، فإن فعل فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا.
عدة المختلعة:
تعتد المُختلعة بحيضة واحدة، فعن الربيع بنت معوذ بن عفراء، أنها اختلعت علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم، فأمرها أن تعتد بحيضه. (رواه الترمذي). والخلع يعد طلاقا بائنا، فلو أراد مراجعتها لا يحل له إلا بعقد جديد.
الإيلاء:
يقول تعالى: { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 226، 227).
ويعني الإيلاء في اللغة: الامتناع باليمين، وشرعا يعني: الامتناع باليمين عن وطء الزوجة، فيحلف الرجل ألا يجامع زوجته، وسمح سبحانه للأزواج مدة أربعة أشهر يمتنعون فيها عن وطء الزوجة بالإيلاء
فإذا مضت فإما أن يفئ، وإما أن يطلق.
وقد آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه، وكانت انفكت رجله، فأقام في مَشرُبَةٍ له تِسعًا وعِشرِينَ ليلة، ثم نزل، فقالوا: يارسول الله: آليت شهرا، فقال: (إن الشهر يكونُ تِسعًا وعشرينَ). (صحيح البخاري، باب الصوم، 1911)
وعن نافع بن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمي الله تعالي: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يُمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق كما أمر الله عزوجل/ صحيح. وإذا فاء قبل المدة التي حلف أن لا يطأ فيها وجبت عليه كفارة يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرها فإت الذي هو خير وكفِّر عن يمينك) (متفق عليه).
الظهار:
يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا...) (المجادلة: من الآية 3)
وقد عرف الفقهاء الظهار بأن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي فهو مُظاهر، وتحرم عليه زوجته، فلا يطؤها.
ولا يجوز وطء المُظاهر لزوجته قبل الكفارة التي أوجبها الله تعالى: { ... فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )(المجادلة: من الآية 1).
اللعان:
يقول تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (النور: 6-9)
وعليه إذا قذف الرجل زوجته فكذبته فعليه الحد إلا أن يقيم البينة أو يلاعن.
صفته: يُحضرها للإمام أو القاضي فيدعي عليها بما رماها به، فيحلفه القاضي أربع شهادات في مقابل أربع شهداء: {إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} فيما رماها به، {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} فإن قال ذلك بانت منه بنفس اللعان وحُرمت عليه أبدا، ويتوجب عليها الحد ولا يدرأ عنها ذلك إلا أن تلاعن وتشهد أربع شهادات أنه من الكاذبين، {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
وقد أقيم اللعان بين هلال بن أمية وزوجته، ونزل فيهما تلك الآيات.. وقد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقال: (لا يجتمعا أبدا) صحيح الإسناد، أخرجه البيهقي في سنته 7/410. والله أعلم.
من مراجع المقال:
- فقه السنة: المجلد الثاني للشيخ /السيد سابق.
- زاد الميعاد في هدي خير العباد: الجزء الخامس للعلامة /ابن قيم الجوزية.
- منهاج المسلم: أبو بكر الجزائري.
طالع أيضا:
متى وكيف يقع الطلاق؟(1–2)
-----------------------------
تحياتى؛ عبدالله بطاطا