آخر صورة للمسجد الأقصى
م/بطاطا
...............................
شُدُّوا الرِّحالَ إلى الأقصى نودِّعهُ
ماتَ المُظَّفَرُ والسُّلطانُ نفقدُهُ
والناسُ في سِنةٍ طابت مَضاجِعُها
يا وَيلَ موقِظهم إن جاءَ سيِّدُهُ
ناموا وأهزوجةٌ للقدس من زمنٍ
تُصَدعُ الحجرَ المصقولَ، تنقدُهُ
ناموا كطفلٍ على صوتٍ يداعبهُ
ما زال مَسجِدُها الأقصى يردِّدُهُ
غنَّى وكررَ آلاماً ولحَّنها
على مسامع نعسانٍ وينشِدُهُ
قيلولةٌ في قُصورٍ بادَ عامرُها
هل دامَ عزٌّ لكي نأتي نُقلِّدهُ؟
أم جاءَ شخصٌ لأرضِ اللهِ يَعمُرها
والموت ما عاد يأتيهِ يواعدُهُ؟
هل ظلََّ يحيا سعيداً في مفاتنهِ
أم مُلِّكَ القصرَ في صكٍّ يُخلِّدُهُ؟
شدُّوا إلى المسجدِ الأقصى نُعظِّمهُ
نقدِّسُ الأرضَ، ندعو الله، نَحمدُهُ
بُشرى الرَّسولِ لأحبابٍ مرابطة
تغدو إلى المسجدِ الأقصى وتعهدُهُ
في كلِّ عامٍ يكادُ الذئبُ يأكلهُ
أرخى هُنالك أفخاخاً تصيِّدُهُ
الآن يمسكهُ من كلِّ ناحيةٍ
بل مُدَّتِ اليوم في أحشائِهِ يَدُهُ
تزدادُ قبضتُه في كلِّ ثانيةٍ
واستلَّ خِنجرَ مسموماً يسدِّدُهُ
فكيف يصمدُ مع ذئبٍ يُطاردُهُ
يردُّ إن شاءَ من يأتي ويقصدُهُ
يحمي بكفيهِ والأنيابُ تُؤلِمهُ
والوحشُ ينهشُ كي يأتي يهوِّدُهُ
مَعْهُ بَنوهُ من الغربانِ تنقضهُ
والأمرُ في يَدِه قد باتَ يَرصدُهُ
يُرى وحيداً بلا كفٍّ تُلاطفهُ
وفي المحاريب أشباحٌ تراودُهُ
هُبوا إلى المسجدِ الأقصى وقبَّتهِ
لعله الذئبُ يُرضينا فنشهدُهُ
ألقُوا السلامَ بأبوابٍ وأقبيةٍ
عِدُوا بخيرٍ لمن يأتي يشيِّدُهُ
وعظِّموا الله في أرجاءِ فسحتهِ
وفي اللَّواوينِ أسوارٌ تحدِّدُهُ
صلُّوا هناك بساحاتٍ مشرَّفَةٍ
وَعَظِّموها وكونوا من يساندُهُ
كلُّ الأماكِنِ لا فرقٌ مقدَّسةٌ
في باحةٍ أو بناءٍ كانَ مسجدُهُ
نادُوا عليه وصيحوا صوبَ قبلتهِ
ولامِسوهُ فأيديكُم تُساعدُهُ
وقبِّلوا فيه محراباً وأسبلةً
مصلياتٍ وأشجارٍ تمجدُهُ
حيُّوا القبابَ وحيوا كل أروِقَةٍ
والزخرفاتُ تُحلِّيها معابدُهُ
زوروا مآذنَ تعلو فيهِ شامخةً
ظلت قروناً بذكر اللهِ تعضدُهُ
نأتي وننظُرُ ما يحوي نعظِّمهُ
ونذكرُ المجدَ عزًّا كانَ يُسعدُهُ
ونذرِفُ الدَّمعَ في أرضٍ مباركةٍ
على أَيادٍ هنا كانت تُواددُهُ
تفقَّدوا فيه محرابًا بِقبلتهِ
جاءَ الرسولُ لهُ يوماً يُخلِّدُهُ
صَلى هناكَ إماماً خلفَهُ نُخَبٌ
ثم السماءُ أتاها عادَ يسندُهُ
خذوا تراباً من الساحات تذكرةً
لتُرجعوهُ إذا ما جاء مُنْجِدُهُ
تعاهدوه أماناتٍ مقدسةً
وخبِّؤوهُ ووصُّوا من يعاهدُهُ
ماذا أقول وهذا الوضعُ ملتهبٌ
يحتاجُ غوثاً ويأتيهِ وينجدُهُ
لكنَّ أمَّتهُ تلهو بلا كلَلٍ
تَصنَّعت صممًا ممَّا يُهدِّدُهُ
تراهُ ينزفُ، قد ضاعت كرامتُهُ
ولا مغيثَ بأفقِ الليلِ يُرشدُهُ
يا أمةً رَضِيت بالذُّلِ تشربهُ
تُسقى من القهرِ أقداحاً وترفدُهُ
تقاذفتها شعوبٌ لا ضميرَ لها
وأبدلت عزَّها ذلاًّ تُجدِّدُهُ
تكالبت أممٌ في سعيها خُبُثٌ
صارت لهم تَبَعاً والأمرُ تسندُهُ
هذي المهانَةُ ما عادت تُفارِقُها
تأتي كزائرةٍ والمجدُ تطردُهُ
معْ أنَّ خالِقَها قد كانَ فضَّلها
والذكرُ ما زال خيراتٍ تجوِّدُهُ
باللهِ يا قدسُ، كم عانيتِ من ألمٍ
من القريبِ وكانَ الفعلُ يَقصدُهُ
قولي لمؤذيك أنَّ الحشر موعدهُ
في أسفَلِ النار يشقى من سَيرفدُهُ
هذي البلادُ بها فضلٌ نقدسُهُ
حتى المقصرُ يلقى ما يكابدُهُ
الكلُّ آتٍ بأرض القدس منفرداً
حيًّا سيحشرُ فيها هل ستجحدُهُ؟
أَتُخذلُ القدسُ من حيٍّ ويتركها
حتى اذا ماتَ جاءَ القدسَ تشهدُهُ؟!
وهل يظنُّ بأن العفوَ يدركهُ
في تربةٍ وقفت يومًا تُراودُهُ
فلم يُجبها ولم ينهض لنُصرتِها
فكيفَ تسقيه ماءً أو تورِّدُهُ؟!
الحوضُ والخيرُ يوم الحشرِ موعدها
فمن سيسقى ومن لو جاءَ تطردُهُ؟
فاحرصْ على عملٍ في أرضِ محشرنا
يُعلي المقامَ إذا ما جاءَ موعدُهُ
تعالَ وامسحْ دموعاً عن مَساجدها
وكن أميناً على غرسٍ ستحصدُهُ
عسى الغراسُ تَجِدْهُ قبل منشرِنا
ظلاًّ يردُّ عذاباً أو يُبرِّدُهُ
================================
تحياتى: عبدالله بطاطا