صباح: طفلة الفن العربي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[rtl]الأربعاء 26 نوفمبر 2014 / 11:41[/rtl]
سامر أبو هواش
ننتبه ونحن نودّع صباح أننا لا نودّع رمزاً فنياً كلاسيكياً أو شخصية بالكاد نعرف نتاجها وننتظر الجيل الأكبر لكي يخبرنا شيئاً عنها. صباح ورغم سنوات من التواري بحكم العمر والمرض، وأيضاً بحكم الشائعات الكثيرة عن موتها وحياتها وظروفها الشخصية، لم تصبح يوماً شخصاً طيّ النسيان، أو الذاكرة فحسب.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[rtl]الأربعاء 26 نوفمبر 2014 / 11:41[/rtl]
سامر أبو هواش
ننتبه ونحن نودّع صباح أننا لا نودّع رمزاً فنياً كلاسيكياً أو شخصية بالكاد نعرف نتاجها وننتظر الجيل الأكبر لكي يخبرنا شيئاً عنها. صباح ورغم سنوات من التواري بحكم العمر والمرض، وأيضاً بحكم الشائعات الكثيرة عن موتها وحياتها وظروفها الشخصية، لم تصبح يوماً شخصاً طيّ النسيان، أو الذاكرة فحسب.
ولعلها من قلة قليلة، إلى جانب فيروز وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، ظلت تبني جمهورها الخاص والمختلف في كلّ جيل من الأجيال، وظلّ حضورها يتسع ويتخذ أشكالاً مختلفة مع تبدّل الزمن والذائقة والاهتمامات والنظرة نفسها إلى الفن، وإن كانت خرجت منذ زمن من هالة النجومية بمعناها المتعارف عليه اليوم، فقد استمرت صباح وعاش أثرها ببساطة بتداول الأجيال المتعاقبة لنتاجها الهائل من الأغنيات.
المعضلة الدائمة مع صباح كان ذلك التداخل الكبير في صورتها بين الخاص والعام. هذا التداخل نفسه الذي منح صباح مذاقها الخاص في الثقافة العربية المعاصرة، ألحق الكثير من الظلم بنتاجها الفني، بمعنى التعامل معه أحياناً بالخفة نفسها التي يتمّ فيها التعامل مع أخبار زيجاتها وطلاقاتها أو التكهنات التي لا تنتهي حول عدد المرات التي تزوجت بها ومن الرجل المفضل لديها، وما عدد فساتينها، وما مبلغ ثروتها (أو حقيقة إفلاسها) وما حقيقة علاقتها بابنتها وعائلتها.. إلخ. لكنّ هذه الأخبار نفسها المنتمية إلى النميمة بالمعنى الذي بات شائعاً اليوم في حياة النجوم، شكّلت جزءاً كبيراً من صورة صباح وحضورها العام. ولعلّ صباح وهي تمضي في تعرجات طريقها الفني، صعوداً وهبوطاً، لمعاناً وخفوتاً، إنجازاً وانتكاسات، كانت تمضي بحياتها الشخصية في اتجاه مشابه، دون كثير التفات إلى ما قيل وما يمكن أن يقال، وربما دون التفات حقيقي إلى حكم التاريخ على سيرتها وفنها، وفي ذلك كله، ومنذ بداياتها الأولى، مضت صباح في طريقها الخاص، وفعلت الأشياء على طريقتها الخاصة، على ما تقول أغنية سيناترا الشهيرة، لتتحول دون أن تدري ربما إلى أيقونة للحرية، ليس بما غنته عنها، ولا بالأدوار التي أدّتها في السينما والمسرح، بل بلحمها ودمها، وباستعدادها النادر إلى أن تدفع ثمن خياراتها، وتواجه نتائجها بشجاعة يندر لامرأة عربية تحت الأضواء أن تتحلى بها.
بهذه الصورة النادرة، والشديدة التشابك والتعقيد، والبساطة في آن معاً، حفرت صباح لنفسها مكاناً خاصاً في الوعيّ العربي طوال نحو سبعين عاماً. ظلّت حياتها سؤالاً ملحاً، مفرحاً للبعض، ومقلقاً للبعض الآخر، حول ما تستطيع المرأة، ومحترفة الفن، في هذه البيئة العربية المليئة بالتناقضات والانفصامات القيام به، وما يمكنها فعله بـ "حريتها" التي كسبتها بكلّ عصامية، إلا أنه ومهما كان مصير هذه الصورة لاحقاً، فإنها ما كانت لتكتسب هذه الأهمية وتثير هذا الاهتمام العام لو لم تصنع صباح هويتها الفنية الخاصة، وتنجز في النهاية "صوتها" الكبير الذي لا يشبه أياً من الأصوات الكبيرة الأخرى، ولاسيما صوتي أم كلثوم وفيروز.
كانت صباح وبكل معنى الكلمة طفلة الفن العربي طوال عقود من الزمن، وحين شاخت وبدأ شبح الموت يقترب منها، لم تنشغل "الشحرورة" بالحكمة، ولا الأسف والندم، بل ظلّت فخورة بما أنجزته، بما في ذلك في حياتها الشخصية، محافظة على حسّها العارم بالبهجة، ذلك الحسّ الذي لا نراه إلا لدى الأطفال أو الرافضين أن يغادروا الطفولة، ولم تنشغل يوماً بالكلام الكبير عن دور الفن، أو عن الأوطان والهويات أو القيم الدينية والأخلاقية، بقدر ما ظلت تلك الطفلة التي تفرح وتزهو بفستان جديد، حتى تمكنت من أن تنقل هذه العدوى الطفولية إلى المحيطين بها، والمتناولين لاسمها وسيرتها.. ولذلك يمكن القول اليوم، مع خروج صباح من باب النميمة، ودخولها في تاريخ الغناء والوجدان العربي، إن عموم الناس، بمن فيهم أولئك الذين كانوا يمزحون حول عمرها وموتها وحياتها، ما كانوا يسخرون من صباح أو يستخفون بها، بل كانوا يشاركونها لعبتها الأثيرة، غير مصدّقين مثلها أنها كبرت وشاخت وغادرت مسرح المشاغبة والمرح، إلى كواليس الرحيل المعتمة.